ادعمنا

الأمن الاقتصادي - Economic Security

انتقل مفهوم الأمن من مجرد كونه قضیة عسكریة محضة إلى كونه قضیة مجتمعیة شاملة تتعلق بمدى قدرة الدول والمجتمعات على تنفیذ خطط وبرامج تنمویة، واقتصادیة واجتماعیة وسیاسیة وثقافیة، وتمتین بناها الذاتیة. وفي هذا السیاق یقول روبرت ماكنمارا - Robert McNamara وزیر الدفاع الأمیركي الأسبق ورئیس البنك الدولي سابقا في كتابه المعنون "جوهر الأمن": » الأمن لیس المعدات العسكریة وإن كان یتضمنها، ولیس القوة العسكریة وإن كان یتضمنها، ولیس النشاط العسكري وإن كان یتضمنه. إن الأمن هو التنمیة، فمن دون التنمیة لا یوجد أمن، والدول التي لا تنمو لا یمكن ببساطة أن تظل آمنة«.  نتیجة لهذا التحول في المفهوم الدولي للأمن الوطني أو القومي من جهة، ونتیجة التحدیات الاقتصادیة المتفاقمة والمتجددة باستمرار التي یواجهها عالم الیوم من جهة أخرى، اتجه الاستراتیجیون في العالم إلى اعتبار مسألة الأمن الاقتصادي للدول كفاعل أساس في توجیه السیاسات والاستراتیجیات العالمیة والعلاقات الدولیة، من دبلوماسیة أو عسكریة.

ويعد الأمن الاقتصادي جزء من منظومة أمنية متكاملة يشملها مفهوم الأمن الإنساني الذي يقصد منه التحرر من الخوف والحاجة، أو بمعنى آخر تأمين حياة المجتمع من الفقر والجوع والمرض وتوفير حاجات الناس ومساعدتهم على حماية أنفسهم من الأخطار التي قد تواجههم.

 

مفهوم الأمن الاقتصادي

تعريف الأمن

لقد انحصر مفهوم الأمن في الماضي في نطاق ضيق وأصبح يفسر على أنه أمن الأرض من العدوان الخارجي، أما اليوم ومع بروز ظاهرة العولمة أصبح الأمن يشمل أمن الأرض وأمن المجتمع من الأخطار التي قد تحدق به من الخارج، علاوة على أمن حياة الناس من تهديدات الفقر، المرض، أو الجهل، ولذا فإن مفهوم الأمن ينبغي أن ينظر إليه على أنه مفهوم شامل لكل الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية...اخ.

الأمن في اللغة العربية : ضُّد الخوف، وهو عدم توقع مكروه في الزمن الآتي، وأصله طمأنينة النفس وزوال الخوف، يقال: أمن أمناً، أي: اطمأن ولم يخف، فهو آمن، وأمن البلد، أي: اطمأن فيه أهله.

يعرف الأمن على أنه: "قدرة المجتمع وإطاره النظامي الدولة على مواجهة كافة التهديدات الداخلية والخارجية، بما يؤدي إلى المحافظة على كيانه، هويته وإقليمه وموارده وتماسكه وتطوره وحرية إرادته."

إلا أن مفهوم الأمن في إطاره العلمي الإيثيمولوجي، وخاصة في دائرة استخدامه في العلاقات الدولية يفتقد إلى  تعريف شامل وموحد متفق عليه، فهو من خلال التعريف السابق لا يتعلق بحالة معينة لنخبة أو لطبقة أو جماعة عرقية أو لغوية أو دينية مسيطرة على صناعة القرار ويعكس رؤياها الخاصةـ، وإنما يتعلق بكل المجتمع الذي إطاره النظامي هو الدولة والتي يمارس المجتمع من خلالها هذا المفهوم، ومن ثم يتطلب تعاون كل المجتمع ويعكس الإدراك المشترك لمصادر الخطر وطبيعتها وأهدافها، ويستهدف المحافظة على الكيان المجتمعي وتماسكه وتطوره وحرية إرادته. إذا فالأمن هو قيمة إنسانية يدمج مع قيم الحرية والنظام والتضامن.

لكن المعنى الحديث للأمن كـ"صفة" للدولة يضمن بالوسائل العسكرية والدبلوماسية جاء كنتيجة الاستدلال حول طبيعة العقد الاجتماعي الذي ماثل الدولة بلأفراد، فنظرية العقد الاجتماعي فهمت من قبل روسو Rousseau  كما كان ذلك أيضا من قبل لوك Locke ومونتيسكيو Montesquieu كنتيجة لشغف الأفراد بالأمن والحرية. 

 

تعريف الأمن الاقتصادي 

يفتقر مصطلح "الأمن الاقتصادي" إلى تعريف متفق عليه بوضوح، شأنه في ذلك شأن كثير من المصطلحات قي مجال الدراسات الأمنية. ويمكن النظر إليه على مستوى الفرد والدولة. بالنسبة للأولى ينطوي الأمن الاقتصادي في الأساس على معنى الخلو من الفقر، غير أنه ينظر إليه عموما على أنه يتجاوز ذلك ليشمل امتلاك الموارد الاقتصادية الكافية للمشاركة في المجتمع بكرامة، وللتمتع كذلك بالحماية من تقلبات المستقبل ومن الأخطار، وقد يشمل الأمن الاقتصادي جوانب مثل الأمن الوظيفي (وبتعبير آخر، شكل ما من أشكال الحماية القانونية من الفصل التعسفي)، وأمن الدخل (مثل الحد الأدنى للأجور)، والتأمين ضد البطالة.

أما على مستوى الدولة، فأن الأمن الاقتصادي يعني ضمنا مضاعفة القوة الاقتصادية النسبية للدولة. أولا، على أساس أن القوة الاقتصادية مطلوبة في حد ذاتها. ثانيا، أن القوة القومية، بما فيها القوة العسكرية، تعتمد في النهاية على القوة الاقتصادية.

ويعني الأمن الاقتصادي أيضا الحد من تعرض الدولة للصدمات الاقتصادية الخارجية، إلى جانب استخدام الأسلحة الاقتصادية مثل العقوبات الاقتصادية. ويعني ذلك أن الأمن الاقتصادي يمكن تعريفه      بــ"أمن الإمدادات"، مثل الحصول على إمدادات مأمونة ومضمونة من الأسلحة والطاقة والمواد الخام الأساسية، كالنفط والغاز والمعادن. ويعتبر الأمن الاقتصادي في هذا السياق مرتبطا بأمن الطاقة. 

حاولت الأمم المتحدة أن تجد معنى عام یفسر هذا المفهوم فتوصلت إلى الآتي: »الأمن الاقتصادي هو أن یملك المرء الوسائل المادیة التي تمِّكنه من أن یحیا حیاة مستقرة ومشبعة. وبالنسبة لكثیرین یتمثل الأمن الاقتصادي، ببساطة، في امتلاك ما یكفي من النقود لإشباع حاجاتهم الأساسیة، كالغذاء، والمأوى اللائق، والرعایة الصحیة الأساسیة، والتعلیم«.

وهناك من عّرف الأمن الاقتصادي بأنه یعني التنمیة؛ إذ إن ظاهرتي الأمن الاقتصادي والتنمیة مترابطتان بحیث یصعب التمییز بینهما، فكلما تقدمت التنمیة تقدم الأمن، وكلما نظم المجتمع أموره الاقتصادیة لمد نفسه بما یحتاج إلیه فإن درجة مقاومته للمهددات الخارجیة سوف تتزاید بدرجة كبیرة. والتنمیة – كما هو معروف- مفهوم مركب؛ فهي عملیة ولیست حالة واتجاها مستمرا في النمو ولا وضعا طارئا. كما إنها آلیة، إلى جانب كونها وسیلة لتحقیق أهداف مرحلیة ضمن إطار غایات إنسانیة وحضاریة ذات أبعاد مجتمعیة.

تعريف آخر: هو الثقة في إمكانية الانتاج والتوزيع بطريقة عادلة وبدون معوقات. 

ترتكز عموما تعاريف الأمن الاقتصادي على ثلاث نقاط أساسية هي: 

- الأمن الاقتصادي يعبر عن غياب التهديد بالحرمان الشديد من الرفاهية الاقتصادية (العامل المحدد هو الرفاه)

- الأمن الاقتصادي يعني التنمية (العامل المحدد هو التنمية).

- الأمن الاقتصادي يتجسد في امتلاك المرء للوسائل المادية التي تمكنه من أن يعيش حياة مستقرة ومشبعة ( العامل المحدد هو الرفاه).

وعلينا أن ندرك أن الأمن الاقتصادي ليس إلا جزء من الأمن الانساني إلى جانب الأمن الغذائي والأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن الشخصي، الأمن الاجتماعي والأمن السياسي وهذا حسب ما جاء في برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في تقريره لعام 1994.

 

الأمن الاقتصادي من منظور إسلامي 

إذا حاولنا استنتاج مفهوم الأمن الاقتصادي من القرآن الكريم، فإننا نجد القرآن قد غاير بين الأمن وبين احتياجات الإنسان الضرورية الداعية لاستقراره -كالأكل والشرب -، على اعتبار أن هذه الحاجيات لا تتأتى إلا بحصول الأمن لضمان استمرار وصولها، وضمان استمرار الاستقرار. وقد وردت كلمة (الأمن) ومشتقاتها في القرآن في سبعين موضعاً،كلها تعني الطمأنينة وعدم الخوف، وتكرار كلمة الأمن بمشتقاتها في القرآن يدل على أن الأمن شيءٌ أساسي في الحياة الانسانية ولا يمكن تصور المجتمع المستقر والمستدام من دونه؛ لأنه من خلاله يتمكن الإنسان من الحصول على حاجاته الأساسية، من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وغيرها من الحاجات، التي تزداد وتتنوع بتوفر الأمن والاستقرار في المجتمع. ولهذا قال تعالى ممتناً على قريش بنعمة الأمن من سلب تجاراتهم في رحلة الشتاء والصيف، والأمن من نفاد الضروريات الغذائية التي تمنع الاستقرار:" لإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)". وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أي: آمنهم بالحرم وكونهم من أهل مكة، فهم آمنون من خوف التعرض بالسلب والنهب لقوافلهم التجارية، وآمنون في حلهم وترحالهم، وقيل: آمنهم من الرهبة والجزع الذي أصابهم من أصحاب الفيل عندما أرادوا هدم الكعبة. وفي الآيات إشارة إلى ارتباط النشاط التجاري والاقتصادي بالأمن والاستقرار، فإذا وجد الأمن وجدت التجارة، وكثر النشاط الاقتصادي، وزادت الثروات، وحصل الرفاه الاجتماعي لأفراد المجتمع، وإذا انعدم الأمن ضعفت التجارة، وقلت الأرزاق، واضطرب المجتمع، وحصلت المجاعات، ووجد الخوف والهلع. فالإطعام من الجوع، أي: الأمن من الفقر المدقع والجوع وهو (الأمن الغذائي) باعتباره أصل الأمن الاقتصادي، والأمن من الخوف، أي: الأمن الاجتماعي والسياسي؛ متلازمان، يكمل أحدهما الآخر، فلا استقرار اقتصادي دون استقرار سياسي اجتماعي، والعكس صحيح.

وإذا نظرنا إلى النصوص النبوية في هذا الصدد، فإننا نتوقف عند قوله:  صلى الله عليه وسلم : "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". وهذا أصل من الأصول النبوية، ومن أجمعها وأصرحها في باب الحوائج الأصلية؛ وما هو دلالة وحجة قاطعة لضرورة تأمين الحقوق الإنسانية للفرد والمجتمع. ومعنى: من أصبح منكم أي أيها المؤمنون آمناً أي: غير خائف من عدو في سربه بكسر السين أي: في نفسه، وروى بفتحها، أي: في مسلكه وطريقه، وقيل بفتحتين، أي:  في بيته، وقيل: السرب الجماعة، فالمعنى: في أهله وعياله، ومعافى في جسده أي: صحيحاً في بدنه ظاهراً وباطناُ سالماً من العلل والأسقام، وعنده قوت يومه أي: كفاية قوته من وجه الحلال، (بداؤه وعشاؤه) فكأنما حيزت له ولاحظ أيضا: كيف عدد الحديث أنواعاً ثلاثة للأمن، وهي: الأمن الشخصي بتوفير الأمن في النفس والسكن والطريق، والأمن الصحي بتوفر سبل العلاج والدواء (الحق في الرعاية الصحية والصحة الجسدية والنفسية)، والأمن الغذائي (الحق في الغذاء) وضرورة تأمينه للناس.

 

علم الأمن الاقتصادي 

لا یزال علم الأمن الاقتصادي علًما ناشئا، یفتقر إلى الكثیر من الأطر النظریة والتطبیقیة، ولكن لوحظ  في الفترة الأخیرة ظهور العدید من الأعمال (على الصعیدین الحكومي والأكادیمي)  التي تبرز أهمیة البعد الأمني للتفكیر الاقتصادي. فقد لوحظ مثلا ظهور اختصاصات ومراكز بحوث تعنى بالذكاء الاقتصادي Economic Intelligence ، وكذلك ظهر ما یعرف بالتجسس  الصناعي أو التجاري business espionage  Iindustrial Spying-، وقد ازدادت الحاجة إلى هذه الاختصاصات بسبب ظاهرتین رئیسّیتین مّیزتا العقدین الأخیرین، وهما العولمة والطفرة المعلوماتیة.

ولكن علم الأمن الاقتصادي لا یقتصر على هذا المفهوم الضیق، فبإمكان هذا العلم معالجة مجال واسع جدا من القضایا، مثل: مراقبة التدفقات المالیة، مراقبة الاستثمارات الأجنبیة، وضع وسائل وآلیات لضمان حمایة الصناعات الوطنیة، خصوصا في حال كونها حیویة و/أو ناشئة، تحقیق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في مجالات عدة، كذلك محاربة التجسس الصناعي والتجاري ومحاربة الجرائم الالكترونیة، إلخ.

 

نظريات الحاجات الأساسية وتفسيرها للأمن الاقتصادي

هناك عدد من النظريات تحدثت عن علاقة الأمن الاقتصادي بالحاجات الاساسية للانسان وهي ما يعرف بنظريات الحاجات الأساسية التي تتمثل في نظرية ماسلو Maslow ونظرية موري Morry ونظرية هيرتسبورج Herzburg . فقد اشارت نظرية ماسلو إلى أن الحاجات الأساسية للإنسان تكون في شكل هرم تبدأ من أسفل إلى أعلى إلا أن قليل من الناس من يصل إلى قمة الهرم، فالإنسان في نظر ماسلو يبدأ باشباع الحاجات الطبيعية ثم الحاجات الأمنية التي تليها الحاجات الاجتماعية ثم الحاجات النفسية وأخيرا تحقيق الذات. وحسب نظرية ماسلو فإن اشباع الحاجات الأمنية للإنسان تأتي في المرتبة الثانية من حيث الاهمية. 

كما أشارت نظرية موري إلى الحاجات الأساسية للإنسان من منظور الدوافع الأساسية التي تحرك اللأنسان وحددتها في عدد من الدوافع هي الجوع، والجنس وحب الاستطلاع . وبالتالي فإن النظرية حاولت الربط بين الأثار المترتبة على انعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي وأسبابه.  أما نظرية هيرتسبورج أشارت إلى أهمية الحاجات الأساسية للإنسان، التي تتمثل في الماء والهواء والغذاء ويرى أن هذه الحاجات هي التي تدفع الإنسان لإظهار سلوك معين، ويمكن القول أن نقص الماء والغذاء والهواء يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الانساني. 

 

مكونات الأمن الاقتصادي 

- الأمن الغذائي: یعتبر الأمن الغذائي من أهم عناصر الأمن الاقتصادي، ویمكن تعریفه بأنه " قدرة المجتمع على توفیر المستوى اللازم من الغذاء لأفراده في حدود مداخیلهم المتاحة، مع ضمان مستوى الكفاف من الغذاء للأفراد الذین لا یستطیعون الحصول علیه بدخلهم المتاح، سواء أكان هذا عن طریق الإنتاج المحلي، أو الاستیراد اعتمادا على الموارد الذاتیة."  ولكونه من أهم عناصر المحافظة على الحیاة، ینظر إلى الغذاء بأنه یشكل بعدا اجتماعیا وسیاسیا باعتباره أحد حقوق الإنسان. ویعكس تحقیق الأمن الغذائي، قدرة المجتمع في كفالة حق الغذاء لكل مواطن، وبخاصة حّد الكفاف لكل فرد من أفراده، لتستمر حیاته بصورة صحیحة ونشطة. أّما عدم توافر مستوى الكفاف من الغذاء في المجتمع، وعدم تحقیق عدالة توزیعه بین أفراده، فلا بد أن یسهما في عدم تحقیق الاستقرار الاجتماعي داخل الدولة.

الأمن الصحي:  یقصد بالأمن الصحي توفیر وسائل الوقایة والمعالجة من الأمراض والأوبئة. وترتبط الصحة ارتباطا وثیقا بتحقیق الأمن الاقتصادي للمجتمع، فالمجتمع الذي یخلو من الأمراض یتمتع شعبه بنشاط وقوة، ما یمكنه من الإنتاج والعمل وتحقیق معدلات نمو اقتصادي مناسب، بینما یحدث العكس في المجتمع الذي تسیطر علیه الأمراض والأوبئة. ولذلك تحاول الدول مكافحة الأمراض الخطرة، مثل الإیدز وأنفلونزا الخنازیر والطیور، وحتى الأمراض التي تصیب الحیوان، )حمى الوادي المتصدع، وجنون البقر، وغیرها( لحمایة اقتصادها ومواطنیها. كما یرتكز الأمن الصحي بصورة أساسیة على توفیر برامج الرعایة الصحیة الأولیة، وخدمات التأمین الصحي للمواطنین، وتوفیر الأدویة المنقذة للحیاة، وتطویر المؤسسات الصحیة وزیادتها، كالمستشفیات والمراكز الصحیة ومراكز الإرشاد والتثقیف الصحي، فضلا عن إعطاء أهمیة قصوى لصحة الفئات الضعیفة، كالأطفال والمرأة والمعوقین وكبار السن…إلخ.

الأمن التكافلي أو التأمین الاجتماعي والصحي: هو تلك السیاسة التي ترمي إلى توفیر الحمایة الاجتماعیة للعاملین في مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال اّتباع نظام استقطاع جزء من رواتب العاملین وإیداعها في صندوق معین وفق قوانین ولوائح معروفة، لمنحهم تعویضات في حالات ترك العمل أو الفصل من الخدمة أو بلوغ سن التقاعد، أو العجز أو المرض أو الوفاة. وهذا النظام یعرف بالتأمین الاجتماعي أو فوائد ما بعد الخدمة، والذي یرتكز بصورة أساسیة على تسخیر عملیات التكافل وسط قطاع العاملین، لتوفیر الحمایة والأمن الاجتماعي لهم. أما الأمن التكافلي الصحي فهو نظام تكافلي بین المواطنین والدولة، حیث یدفع المشترك – حسب دخله – مساهمة شهریة محدودة لیتمتع هو وأفراد أسرته بالخدمات الطبیة المتكاملة، بغض النظر عن حجم الأسرة وحجم الخدمات المطلوبة، والتي تشمل الكشف والفحص المجاني، والدواء بتكلفة رمزیة.

- الأمن البیئي: یهدف إلى حمایة الطبیعة من التخریب على المدَیین القصیر والطویل، منًعا لتدهور البیئة مع ما لذلك من انعكاسات على الدول والأفراد. ویعتبر النقص في الوصول إلى المیاه النظیفة أحد أهم التهدیدات التي تواجهها الدول الصناعیة، كما یمكن الاعتبار أن تلّوث الهواء، والاحتباس الحراري الناجم عن الدفیئات، والمصانع، ومشاكل معالجة النفایات وغیرها، من أهم تهدیدات البیئة وحیاة الفرد.

مكافحة الفقر:  تمّثل مكافحة الفقر واحدة من أهم مكونات الأمن الاقتصادي. إذ یمثل الفقر الخطر الأكبر على المجتمعات المعاصرة. فبانتشار الفقراء في المجتمع، تنتشر الأمراض وسوء التغذیة وتكثر الجرائم والسرقات، كما تتفاقم حالة عدم الرضا، مما یتسبب في عدم الاستقرار السیاسي والاقتصادي والأمني. ولذلك ینظر إلى مشاریع مكافحة الفقر وكفاءتها في التدخل، على أّنها عامل أساسي في تحقیق الأمن الاقتصادي، بل الأمن الشامل في المجتمع

العمل:  یعتبر العمل مصدًرا مهًما في إشباع الحاجات الأساسیة للإنسان وتحویل الفرد من حالة الفقر والجوع والخوف، إلى حالة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما أنه الوسیلة والمدخل الفاعل في تحقیق القوة والأمن الاقتصادیین، ولذلك ینظر إلى لمجتمع الذي تسود فیه معدلات مرتفعة من البطالة وغیر الناشطین اقتصادیا على أنه مجتمع فقیر أو غیر منتج أو غیر نام، أو متأخر، مما یؤسس لحالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والعكس صحيح. 

- السیاسات الاجتماعیة:  تشّكل سیاسات الرعایة الاجتماعیة المتعددة، التي تستهدف التنمیة الاجتماعیة ورفع مستویات المعیشة للأسر والمجتمعات لمحلیة وحمایة الشرائح الضعیفة ومكافحة الفقر وغیرها، بعدا من أبعاد تحقیق الأمن الاقتصادي. وتشمل تلك السیاسات بشكل خاص البرامج والمشاریع ذات التمویل الصغیر، وبرامج الأسر المنتجة، وتشغیل الخریجین، ومشاریع استقرار الشباب، ورعایة الطلاب، وكذلك مشاریع تحقیق الأمن الاقتصادي للمرأة. ولذلك لا بد من توسیع مفهوم الرعایة الاجتماعیة لیشمل احتیاجات مختلف الفئات في المجتمع، وتفعیل برامج التدخل الاجتماعي والاقتصادي التي تحقق عائًدا اجتماعیا كبیرا. 

استغلال الثروات والموارد الطبیعیة:  یؤدي عدم استغلال الثروات والموارد الطبیعیة، وفقدان العدالة في توزیع عائداتها على المجتمع، إلى إضعاف الوضع الاقتصادي للدولة، ویشیر إلى تدني قدراتها الاستراتیجیة والسیاسیة والاقتصادیة. وثمة دول لم تستغل ثرواتها على الرغم من حاجتها الماسة إلیها، كما توجد دول أخرى استغلت بعض ثرواتها، ولكنها لم تتمكن من تحقیق العدالة في توزیع العائدات والمداخیل بصورة مناسبة ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الفقر وتدني مستویات المعیشة. وقد أشار تقریر الأمم المتحدة للعام 2009 إلى أن الثروة النفطیة )الخیالیة) لدى بعض البلدان العربیة تعطي صورة مضللة عن الأوضاع الاقتصادیة لهذه البلدان، لأنها تخفي مواطن الضعف البنیوي في العدید من الاقتصادات العربیة، وما ینجم عنها من زعزعة الأمن الاقتصادي للدول والمواطنین على حد سواء.

- العدالة وتكافؤ الفرص: تؤّكد الدراسات الحدیثة على أهمیة العدالة وتكافؤ الفرص لدفع عجلة التنمیة ورفع مستویات المعیشة. فتقریر التنمیة في العالم للعام 2006 الصادر عن البنك الدولي تحت عنوان "الإنصاف یعزز قوة النمو من أجل تخفیض أعداد الفقراء"، یؤكد أن العدالة لا بد أن تكون جزءا لا یتجزأ من أي استراتیجیة ناجحة لتخفیض أعداد الفقراء في أي مكان من العالم النامي. ولا شك في أهمیة تحقیق العدالة وتكافؤ الفرص، فالاقتصاد ینمو ویتطور عندما یكون لدى معظم السكان الأدوات اللازمة للمشاركة في المنافع الناتجة عن النمو الاقتصادي، ولهذا ینبغي أن تستهدف استراتیجیات التنمیة تخفیض حدة عدم المساواة في الفرص، ومن ثم تحقیق المساواة وتحسین الكفاءة والعدالة.

 

تقسيم الدول من حيث درجات الأمن الاقتصادي

عند النظر إلى درجات الأمن الاقتصادي، فأنَّه بالإمكان تقسيم الدول إلى أربع مجموعات:

1- محددو الخطوات (والذين يملكون سياسات ومؤسسات ونتائج جيدة).

2- الواقعيون (نتائج جيدة رغم السياسات والمؤسسات غير المهرة أو المؤثرة).

 3- التقليديون (تبدو السياسات والمؤسسات جيدة إلّا إن النتائج غير مؤثرة). 

4- الدول التي هي بحاجة للكثير من العمل (سياسات ومؤسسات ضعيفة أو معدومة ونتائج متدنية أو ضعيفة).

 

تحقيق الأمن الاقتصادى من خلال التنمية الاقتصادية

لكن السؤال المطروح هو كيف نلبي الحاجة للأمن الاقتصادي للناس؟ في الحقيقة لا يمكن أن يتحقق الأمن الاقتصادي والضمان الاجتماعي دون النجاح في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال:

- تحسين وزيادة مستويات المعيشة والارتقاء بنوعية حياة الناس.

- توفير فرص العمل وضمان المساواة في الوصول إلى الوظائف والدخول.

- إيجاد نظم وشبكات فعالة للضمان الاقتصادي والتكافل الاجتماعي.

- تنمية مهارات قوة العمل بالتدريب والتأهيل المستمر حتى تستطيع هذه القوة مواكبة أي تطور في اقتصاد الدولة، ولعلنا كم رأينا تزايد البطالة في اقتصاديات في دول العالم الثالث حينما تحولت إلى اقتصاديات السوق، حيث إن تدني مهارات العمال المسرحين من القطاع العام لم تسعفهم في دخول سوق العمل مرة أخرى.  

وتحقيق هذه العناصر الأساسية يستدعي تضافرا من قبل ثلاث جهات هي: الحكومة، والقطاع الأهلي، والأفراد. 

الأمن الاقتصادي مطلب أساسي للأفراد والأمم، والشعوب والمجتمعات، وتحقيقه يعتبر هاجس الدول   – كل الدول بات استثناء - في سياساتها الحكومية، وهو أحد الركائز المهمة في منظومة الأمن القومي، فالأمن القومي يتحقق بتحقيق: الأمن السياسي، والاجتماعي، والصحي، والثقافي، والبيئي، وغيرها من أنواع الأمن   ومن أهمها الأمن الاقتصادي، فلا يمكن تصور مجتمع مستقر وآمن، دون شعوره بأمنه الاقتصادي الذي يوفر له حياة معيشية كريمة، ورفاه اقتصادي واجتماعي، بعيدا عن الخوف والتهديدات الآنية والمستقبلية.

 

المصادر والمراجع:

د.أحمد علو، قراءة في مفهوم الأمن الاقتصادي ودوره في توجيه السياسات والاستراتيجيات القومية، مقال نشر في الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، 12 سبتمبر 2018.

إدريس عطية، تحديات الأمن الاقتصادي الجزائري في ظل العولمة، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، المجلد 20، العدد 02، جامعة باتنة، ديسمبر 2019.

ابراهيمو عيسى محمد، صلاح الدين باللو، الأمن الاقتصادي في عصر العولمة مقاربة استراتيجية،مذكرة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، جامعة قالمة، الجزائر، 2012-2013.

بول روبنسون، قاموس الأمن الدولي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الطبعة الأولى، ابوظبي، الامارات، 2009.

ستيتي الزازية، الثروة البترولية والأمن الاقتصادي العربي، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، 03 جويلية 2020. 

د. عبد الاله عب القادر، خالدي سعاد، إدارة أزمات الأمن الاقتصادي في التراث الاسلامي، مجلة البشائر الاقتصادية، العدد 04، أفريل، 2016.

د.محمد مصطفى شعيب، الأمن الاقتصادي من منظور إسلامي، مجلة البشائر الاقتصادية، العدد 04، أفريل 2016.

د.صلاح زين الدين، أهمية الأمن الاقتصادي في تحقيق السلام الاجتماعي دراسة حالة مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، المؤتمر العلمي دورالقانون في تحقيق أمن واستقرار المجتمع، كلية الحقوق، جامعة طنطا، مصر، 07-08 افريل 2014. 

سعيد على حسن القليطى، التخطيط الاستراتيجي لتحقيق الأمن الاقتصادي والنهضة المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia